بعد مرور أكثر من عام في المجال الطبي وعالم المستشفيات أستطيع القول أني مررت بتجارب خاصة ودروس فاقت حد الخيال ومواقف لم يسبق لي أن مررت بها غيرت مفاهيمي حول الحياة والروح والجسد
لا أستطيع وصف تلك الأحداث بالعابرة فكل منها يحتل جزء مهم في ذاكرتي رغم تسارعها وتغيرها , في كل يوم هناك قصة, هنالك جولة مع حياة الأرواح ..نعم الأرواح حيث يتجرد الجسد من جبروته ويخنع لضعفه ويسكن على سرير المرض ليتوارى تحت غطائه الأبيض ..كلنا ننفر من المرض ومن عنائه بل حتى ننفر من كان لنا مريضاً أو عليلاً ونعبئ من تحمله ..فعلى الرغم من بعد مجال عملي عن حياة المرضى ومعاناتهم إلا أن للأبواب والجدران آذان تنقل لك جزء ولو يسير ما يحدث بداخل حياتهم من الألم والمعاناة .. في لمحات بسيطة تجد الدموع تسكب بين الفينة والأخرى وسهر أرهق العيون وصراع خفي مع الوقت والداء وترقب على أبواب غرف العمليات , ورجال غالبو دموعهم على فراق أحبائهم وصرخات تتعالا لنجدة من دقت ساعة رحيله لتسمع وترى أمام عينك Blue Code ذلك الصوت الذي يجعلك تضطرب وتشعر أن الوقت حان وأنها لربما ساعة الوداع .في هذه اللحظات يتوقف الزمن وتتسارع أمامك الذكريات وتخفو الأصوات لتجد نفسك سارحاً في زحمة المكان والظلال حينها تدرك أن ما حدث هو جزء من الحياة ونقطة ترسم بداية لشيء ما .. تتأكد أن كل ما يحدث من فوضى هو نظام فالأرواح والأجساد تفترق كالثمر والشجر فارتباطهما لا يلغي أياً منهما .. وفي خضم ذلك تسمع من الجانب الآخر بكاء المولود الذي استنشق هواء الحياة واسترسلت أنفاسه في الأنحاء .. في نظرة على من حولك تتكسر الأقنعة و يختفي زيف الأقوال لتصنع البسمة والدمعة لغة الأرواح و تتجلى القلوب بخضوعها لقدر الله وحكمه لتذعن وتوقن بأننا رغم كل ما وصلنا إليه من علم وتطور لن نستطيع أن نفك هذا الارتباط بين الموت والحياة أو الصحة والمرض فقط نحن نفعل ما علينا فعله في هذا النظام , في مثل هذه المشاهد تستقبل اشارات بأن الصحة والوقت هما أغلى نعم الله على الإنسان على الإطلاق فتلك الأجساد العليلة تتشدق بنظرها غبطة على ما تملك وتذكرك في كل لحظة أنك تملك كل شيء وتهمس في أذنيك أن تكون كما أردت لا تلتفت لشيء يلهيك فجمال الروح وسموها هي أصل الحكاية ونهاية المطاف .
رد